دەستپێک / پەڕە نەگۆڕەکان / جمع الصلاة بعذر المطر .

جمع الصلاة بعذر المطر .

المقدمة:

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ( النساء: 1) .

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ( آل عمران : 102) .

{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }.

هذه رسالة موجزة في مسألة ” الجمع بين الصلوات بعذر المطر” وذلك لأن هذه المسألة قد انتشر في زمننا هذا الرأي الفقهي الذي يرى جواز الجمع ، فأردت أن أبين فيها الرأي الفقهي الآخر الذي يرى عدم الجواز ، حتى تكتمل الرؤية لكل منصف ، لأن انتشار الرأي الفقهي الأول الذي يرى الجواز قد غطى على الرأي الثاني مما جعل كأن المسألة ليس فيها رأي آخر أو أن هدى النبي – صلى الله عليه وسلم – هو الجمع بين الصلوات بعذر المطر ، لذلك لا بد من التوضيح نصحاً لإخواني المصلين ، فأسأل الله ربي التوفيق والسداد و سوف أقسم الرسالة إلى مسألتين :-

المسألة الأولى : سنة وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته عند نزول المطر .

المسألة الثانية : حكم الجمع بين الصلوات بعذر المطر.

أولا: المسألة الأولى : سنة وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته عند نزول المطر: حتى أبين هذه المسألة علينا أن نفهم ما أقصده بعبارة سنة وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في كذا أي فعله أو أمره أو تقريره (1) أي يكون هذا الفعل .. فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – أو أمر به أو أقر أحداً من الصحابة على فعله ، فعند تتبع سيرة وحياة النبي – صلى الله عليه وسلم – التي عاشها في المدينة وهي قرابة عشر سنين نجد أنه لم يثبت في حديث صحيح صريح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جمع بين صلاتي الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولو مرة واحدة في حياته قط مع طول المدة و تشابه الظروف المناخية التي عاشها – صلى الله عليه وسلم – مع مناخنا الذي نعيشه في الوقت الحاضر ، وتوافر همم الصحابة على نقل مثل هذا الحدث لو كان (2) ،

وتوافر الدواعي لنقله لحاجة الناس لمثل هذا الفعل لو فعله – صلى الله عليه وسلم – (3) ، و لم يثبت انه أمر بذلك فقال مثلاً أذا نزل المطر فاجمعوا بين الصلوات و لم يثبت أنه أقر صحابياً على فعل ذلك. فإذا لم يثبت ذلك ولو في حديث واحد كان ذلك دليلاً على نفي الجمع وعلى أنه لم يكن من هديه الجمع ، ومن أثبت أن سنة وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – هو الجمع بين الصلوات بعذر المطر فعليه الدليل لا العكس، والعجيب في الأمر أنه قد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد صلى صلوات كثيرة حال كون المطر نازلا كما في حديث البخاري (باب الإستسقاء في المسجد الجامع )

حدثنا محمد قال أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال حدثنا شريك بن عبدالله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائم يخطب فاستقبل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي ، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا ، قال فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يديه فقال اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا. قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس. فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال والله ما رأينا الشمس ستَِّا. ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة – ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قائم يخطب – فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها. قال فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يديه ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظِّراب والأودية ومنابت الشجر . قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شريك: فسألت أنساً: أهو الرجل الأول ؟ قال : لا أدري. فنزول المطر في هذه المدة الطويلة قرابة الأسبوع ثم لم يرو لنا صحابي واحد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جمع ولو مرة واحدة لدليل على نفي الجمع. بل على العكس ، قد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر مؤذنه في الليلة المطيرة أو ذات الريح أن يقول الصلاة في الرحال.

كما في حديث البخاري (حدثنا مسدد قال أخبرنا يحيى عن عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع قال : «أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم. فأخبرنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره : ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر».

قال ابن حجر عند شرحه للحديث :- قوله (في السفر) ظاهره اختصاص ذلك بالسفر ، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقاً ، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه. والله أعلم. قال البخاري رحمه الله: باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع «أن ابن عمر أذن بالصلاة – في ليلة ذات برد وريح – ثم قال: ألا صلوا في الرحال. ثم قال إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر – يقول ألا صلوا في الرحال » وقال ابن حجر في الفتح ص 2-99: أخرج عبدالرزاق وغيره باسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال: أذن مؤذن النبي – صلى الله عليه وسلم – للصبح في ليلة باردة، فتمنيت لو قال: ومن قعد فلا حرج,فلما قال الصلاة خير من النوم قالها.

وقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ابن شهاب عــن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان ابـن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – :

يا رسول الله ، إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر ،  فصل يا رسول الله في بيتي في مكان أتخذه مصلى . فجاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال أين تحب أن أصلي ؟ فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. قال ابن حجر رحمه الله: قوله باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله : ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الإنفراد ، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد .

قال البخاري رحمه الله : باب هل يصلي الإمام بمن حضر ؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟ حدثنا عبدالله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عبدالحميد صاحب الزيادي قال سمعت عبدالله بن الحارث قال خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ ، فأمر المؤذن لما بلغ حي على الصلاة قال قل الصلاة في الرحال فنظر بعضهم إلى بعض فكأنهم أنكروا ، فقال كأنكم أنكرتم هذا إن هذا فعله من هو خير مني – يعني النبي – صلى الله عليه وسلم – – إنها عزمة ، وإني كرهت أن أحرجكم. وعن حماد عن عاصم عن عبدالله بن الحارث عن ابن عباس نحوه غير أنه قال “كرهت أن أؤثمكم فتجيئون تدوسون الطين إلى ركبكم “.

حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة قال « سألت أبا سعيد الخدري فقال: جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف – وكان من جريد النخل – فأقيمت الصلاة ,فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسجد في الماء والطين، حتى أثر الطين في جبهته. فثبت بالدليل أن هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وسنته أن يقول عند المطر الصلاة في الرحال لا الجمع بين الصلوات ، لأنه لو ثبت أنه جمع لنقل لنا كما نقل قوله الصلاة في الرحال و لأنه في حال المطر إما أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – قد صلى الصلوات لوقتها أو جمع بين الصلوات أو لم يصل إطلاقاً ، فالثالث محال و الثاني لم يثبت ولم يبق إلا أنه صلى الصلوات لوقتها وهو المطلوب. والأعجب من ذلك أنه لم يثبت بأثر صحيح صريح (4) عن صحابي أنه جمع بين الصلوات بعذر المطر أو أمر به في عهد الخلفاء الراشدين لا عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الصحابة في عهد الخلافة الراشدة التي إمتدت قرابة ثلاثين عاماً حتى مقتل علي بن أبي طالب ] فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن سنة وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه المهديين هو الصلاة لوقتها لا الجمع بين الصلوات بعذر المطر وعلى من يرى غير ذلك الدليل. نعم قد ثبت عن ابن عمر : قال البيهقي في سننه ص 3-168 :- وأما الرواية فيه عن ابن عمر (فاخبرنا) ابو احمد المهرجاني انبأ ابوبكر بن جعفر المزكي ثنا محمد بن ابراهيم ثنا ابن بكير ثنا مالك عن نافع ان عبدالله ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء جمع بهم في ليلة المطر ورواه العمري عن نافع فقال قبل الشفق .

فثبت عن ابن عمر أنه كان يصلي مع الأمراء إذا جمعوا بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، ومن المعلوم أن المدينة كانت هي عاصمة الخلافة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان ثم انتقلت العاصمة في عهد علي إلى الكوفة ثم انتقلت في عهد معاوية والدولة الأموية إلى دمشق الشام وأصبحت المدينة بعد انتقال العاصمة عنها ولاية من ولايات المسلمين يحكمها أمير تابع للخليفة ، فيكون قول الراوي عن ابن عمر أنه كان يجمع مع الأمراء أي امراء بني أمية (5) وهذا دليل على أن هذا الفعل من ابن عمر بعد الخلافة الراشدة فلا يستدل به على أنه كان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – الجمع بين الصلوات بعذر المطر ، لهذا السبب الذي ذكرناه ثم أنه فعل فعله ابن عمر لمعنى آخر سنُبينه إن شاء الله في المسألة الثانية. فثبت بذلك أن الجمع بين الصلوات بعذر المطر لم يكن من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا سنته ولا سنة الخلفاء المهديين من بعده لأنه لم يأمر به و لا فعله و لا أقر به أحداً على فعله لا هو ولا أحد من أصحابه في عهد الخلافة الراشدة . (6) و لعل دخل القول بسنية الجمع بين الصلوات بعذر المطر على البعض , من قول بعض الفقهاء : من الرخصة : الجمع بين الصلوات بعذر المطر ، ففهم بعضهم من قول الفقيه : رخصة . أنها الرخصة الشرعية الثابتة بالنص عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مثل رخصة قصر الصلاة في السفر ، فقال بعضهم فما دام أنها رخصة ، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. (7) ، اذن الجمع بين الصلوات بعذر المطر سنة ، هكذا قالوا ، واستدلوا بعد ذلك بأقوال العلماء الذين أمروا باتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – وترك ما سواها ، فأقول لهؤلاء ان العبارات الشرعية الثابتة عن الله تعالى في القرآن والثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأحاديث الشريفة يجب أن تفهم بمراد الله ورسوله لا بمراد واصطلاح بعض الفقهاء المتأخرين يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة ص 595 طبعة دار الكتب العلمية 1419هـ :- فينشأ من ذلك في حقه من الإشكالات ما ينشأ، وينضاف هذا إلى عدم معرفة الخاص بخطابه ومجاري كلامه، وينضاف إلى ذلك تنزيل كلامه على الاصطلاحات التي أحدثها أرباب العلوم من الأصوليين والفقهاء وعلم أحوال القلوب وغيرهم فإن لكل من هؤلاء الاصطلاحات حادثة في مخاطباتهم وتصانيفهم فيجئ من قد ألف تلك الاصطلاحات الحادثة وسبقت معانيها إلى قلبه فلم يعرف سواها فيسمع كلام الشارع فيحمله على ما ألفه من الاصطلاح فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع ما لم يرده بكلامه ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه مع قلة البضاعة من معرفة نصوصه فإذا اجتمعت هذه الأمور مع نوع فساد في التصور أو القصد أو هما ما شئت من خبط وغلط وإشكالات واشتمالات وضرب كلامه بعضه ببعض وإثبات ما نفاه ونفى ماأثبته والله المستعان. انتهى .

فالخلاصة : هدي وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته عند نزول المطر هو الصلاة في وقتها وليس الجمع بين الصلوات سواء الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء فقط أو بينهما وبين الظهر والعصر وكان من هديه كذلك أن يأمر المؤذن أن يقول الصلاة في الرحال حتى يرفع الحرج ووجوب صلاة الجماعة فيترخص من يريد الرخصة في عدم حضور صلاة الجماعة كما ذكر الفقهاء أن من أعذار ترك صلاة الجمعة الجماعة نزول المطر ، وأما الصلاة فتقام في وقتها وفي المساجد وهي البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه (8) مع من حضر ممن يريد فضيله صلاة الجماعة في المساجد ، ويعذر من أراد الأخذ بالرخصة (9). لذا فمن كان يدعي حرصه على تطبيق سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحواله عليه أن يصلي الصلاة لوقتها حتى في وقت نزول المطر ، ولكن هل يجوز الجمع بعذر المطر أم لا ؟ فهذه مسأله أخرى سنبينها ان شاء الله في المسألة الثانية ، فلا بد من التفريق في أي مسألة فقهيه بين هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها وبين هل يجوز كذا أو كذا ، مثلاً كما في مسألة الحج ، فهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه معروف ، وأما حكم مسألة معينة فيه فهذا موضوع آخر ، فليتنبه لذلك.

و أخيراً نذكر من ذهب إلى هذا الرأي من مشايخ عصرنا فهو الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه الجمع بين الصلاتين في السفر الطبعة الثالثة لدار الأثار 1426 ص 107 :- “مسألة : لا يثبت حديث في الجمع في المطر”. وقد جاء حديث مرسل ، و المرسل من قسم الضعيف .

وأما حديث ابن عباس أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر . فليس بصريح في الجمع في المطر . وقد شرع لنا أن نصلي في رحالنا في المطر كما في حديث ابن عباس وابن عمر وغيرهما : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أن يقول المؤذن في الأذان بدل “حي على الصلاة” ، “حي على الصلاة ” : “صلوا في رحـالكم “، “صلوا في رحالكم ” . وفي حديث ابن عمر أنها تقال بعد الأذان ، وحديث ابن عباس متفق عليه ، وحديث ابن عمر متفق عليه . المسألة الثانية : حكم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء عند نزول المطر :- فأقول بعون الله ربي:

أولاً : مذاهب العلماء :

أ- حجة من يرى الجواز : قال ابن قدامة في المغني  ، ويجوز الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء ، و يروى ذلك عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة , وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي (سيأتي أن مذهبه خلاف ذلك) والشافعي وإسحق ، وروى عن مروان وعمر بن عبدالعزيز، ولم يجوزه أصحاب الرأي. ولنا : أن أبا سلمة بن عبدالرحمن. قال : إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بيـن المغرب والعشاء ( رواه الأثرم ) ، وهذا ينصرف إلـى سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وقال نافع : إن عبدالله بن عمر كان يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء .

وقال هشام بن عروة : رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغرب والعشاء ، فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو بكر بن عبدالرحمن لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعاً ( رواه الأثرم ). انتهى.و قال الألباني في الإرواء ص 3-39 حديث : أنه – صلى الله عليه وسلم -: جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة. (رواه النجاد بإسناده ص 137). ضعيف جداً. وقد وقفت على إسناده ، رواه الضياء المقدسي في المنتقى من مسموعاته بمرو (ق 37 / 2) عن الأنصاري : حدثني محمد بن زريق بن جامع المديني أبو عبدالله – بمصر – ثنا سفيان بن بشر قال : حدثني مالك بن أنس عن نافع ابن عمر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – …. الحديث . قلت : وهذا سند واه جداً , وآفته الأنصاري وهو محمد بن هارون بن شعيب بن إبراهيم بن حيان أبو علي الدمقشي ، قال عبد العزيز الكتاني : كان يتهم . قال الحافظ في (اللسان) : وقد وجدت له حديثاً منكراً ثم ذكر حديثاً آخر . وشيخه محمد بن زريق لم أعرفه .

وسفيان بن بشر ، ويقال : ابن بشير وهو الأنصاري مصري ترجمه ابن أبي حاتم (228/1/2) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأما ابن حبان فذكره في الثقات . والحديث لم يقف على إسناد الحافظ ابن حجر ! فقال في (التلخيص) (131) ليس له أصل ,وإنما ذكره البيهقي عن ابن عمر موقوفاً عليه , وذكره بعض الفقهاء عن يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عنه مرفوعاً. قلت (القائل: الألباني) ويحيى بن واضح ثقة محتج به في الصحيحين , وكذا من فوقه، ولكن أين الإسناد بذلك إلى يحيى ؟ لا سيما والمعروف عن ابن عمر الموقوف كما قال مالك في الموطأ (1/145/5): عن نافع أن عبدالله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم. ومن طريق مالك رواه البيهقي (3/168) ثم روى عن هشام بن عروة أن أباه عروة وسعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن الحارث بن المغيرة المخزومي كانوايجمعون بيــن المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين ولا ينكرون ذلك . وعن موسى بن عقبة أن عمر بن عبدالعزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر ، وأن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبدالرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم و لا ينكرون ذلك ، اسنادهما صحيح. انتهى نقلاً من الارواء.

ب – حجة من يرى عدم الجواز : قال السرخسي في المبسوط ص 1/149: ولا يجمع بين صلاتين في وقت أحدهما في حضر ولا سفر ، ثم قال بعد أن ذكر مذهب الشافعي : ولنا قوله تعالى: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى“» (البقرة : 238) أي في مواقيتها و وقال تعالى: « ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا» (النساء : 103) – أي فرضاً مؤقتاً -، وعن ابن مسعود ….. إلخ ثم قال وتأويل الاخبار أن الجمع بينهما كان فعلاً لا وقتاً … الخ . وهووان كان يتكلم عن نفي الجمع مطلقاً إلا أنه يستدل به على أن مذهب الأحناف هو عدم جواز الجمع بين الصلوات بعذر المطر.

ثانيا : المناقشة :- يتضح مما سبق أن أدلة من رأى جواز الجمع هي الآتي:-

1-مجموعة من الأحاديث الضعيفة و هي لا تصلح للإحتجاج لضعفها كحديث الذي رواه النجاد كما ذكره الألباني رحمه الله.

2- مجموعة من الآثار الثابتة عن بعض علماء المدينة وهم كما ذكرهم ابن قدامة وصحح أثارهم الألباني آنفاً -: عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبدالرحمن وعمر بن عبدالعزبز و غيرهم , وهم كما هو معلوم يمثلون علماء أهل المدينة الذين استمد الإمام مالك منهم عن طريق شيوخه مذهبه , والعلماء بينوا أنه لا حجة في عمل أهل المدينة أو اجماعهم و هم كغيرهم من أهل المدن والأمصار (10)، وقد خالفهم غيرهم من علماء الأمصار الآخرين , كما جاء ذلك جلياً في رسالة الليث ابن سعد إلى الإمام مالك كما ذكرها ابن القيم في كتابه اعلام الموقعين ص 3/83  وهي رسالة طويلة جاء فيها : ” وقد عرفت أيضاً عيب إنكاري إياه أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر، ومطر الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه إلا الله لم يجمع منهم إمام قط في ليلة مطر ، وفيهم أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وقد بلغنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال “أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، و قال: يأتي معاذ يوم القيامة بين يدى العلماء برتوة ” وشرحبيل بن حسنة وأبو الدرداء وبلال بن رباح ، وكان أبو ذر بمصر والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وبحمص سبعون من أهل بدر، وبأجناد المسلمين كلها وبالعراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين ، ونزلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة سنين، وكان معه من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يجمعوا بين المغرب والعشاء قط.

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في مذكرته في أصول الفقه ص 153  “فصل : واجماع أهل المدينة ليس بحجة،

وقال مالك هو حجة، أما حجة الجمهور على أنه غير حجة فواضحة لأنهم بعض الأمة والمعتبر إجماع الأمة كلها “، وقال ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإوسط ص 2-432 : وقال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي عمن جمع بين الصلاتين – المغرب والعشاء – في الليلة المطيرة ؟ فقال : أهل المدينة يجمعون بينهما ولم يزل قبلنا يصلون كل صلاة في وقتها ، وقال : وسألت الليث بن سعد وسعيد بن عبدالعزيز فقالا : مثل ذلك”. فعلماء المدينة كالفقهاء السبعة وغيرهم فهم وان كان لهم فضلهم بين العلماء الأمة ، إلا أن الحجة فيما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه المهديين من بعده.

3- أثر ابن عمر الذي ذكره البيهقي في السنن (وأما الرواية فيه عن ابن عمر (فاخبرنا) ابو احمد المهرجاني انبأ ابوبكر بن جعفر المزكي ثنا محمد بن ابراهيم ثنا ابن بكير ثنا مالك عن نافع ان عبدالله ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء جمع بهم في ليلة المطر ورواه العمري عن نافع فقال قبل الشفق .) وصححه الألباني كما مر بنا آنفاً، وهذا الأثر لا حجة فيه لأنه:- فعل صحابي لم يفعله في أيام الخلافة الراشدة حيث الصحابة كثيرون ومتوافرون في المدينة بل فعله في إمارة الأمراء الأمويين على المدينة وكان في أول عهدهم مخالفة الناس لهم على الخلافة والإمارة ، فلو لم يصل ابن عمر إذا جمع الأمراء وخرج من المسجد لحدثت فتنة وشقاق ، والخلاف شر كما قال ابـن مسعود عندما أتم خلف عثمان في الحج وسئل بعد ذلك فقال الخلاف شر، وخصوصاً مع الخلفاء والأمراء . وقد يقول قائل: إذا كان هذا هو السبب فلماذا لم يوضحه ويبينه ابن عمر – على الأقل لتلاميذه – قلت : أمر الصلاة ومواقيتها أمر شديد ويحتاج لمثل مسألةالجمع إلى ورود الدليل الشرعي الصريح الذي لا تتطرق إليه الإحتمالات ، وفعل الصحابي الواحد – والمجرد عن السبب في تلك الفترة الزمنية المتأخرة من حياة الصحابة في المدينة – ليس كقوله: من السنة كذا ، أو قوله : كنا نفعل كذا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، أو كانوا يفعلون كذا على عهده – صلى الله عليه وسلم – كقول جابر: كنا نعزل والوحي ينزل، أو قوله كانوا يفعلون كذا ، فينسب الفعل لمجموع الصحابة أولأكثرهم، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في مذكرته في أصول الفقه ص 166: واعلم أن التحقيق أنه: لا يخصص النص بقول الصحابي إلا إذا كان له حكم الرفع لأن النصوص لا تخصص باجتهاد أحد لأنها حجة على كل من خالفها. انتهى . قلت: وقول الصحابي يكون له حكم الرفع عندما يقول مثلاً (كما مر بنا آنفاً ) : من السنة كذا أو كنا نفعل كذا على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كما بين الشيخ ذلك في نفس مذكرته عند مباحث السنة .

4- ومن الأدلة التي استدل بها من رأى جواز الجمع حديث ابن عباس، فقد رواه مسلم وغيره ، قال مسلم رحمه الله في صحيحه في باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر: حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ، وحدثنا أحمد بن يونس وعون بن سلام جميعاً عن زهير قال ابن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر قال أبو الزبير فسألت سعيداً لم فعل ذلك فقال سألت ابن عباس كما سألتني فقال أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ،

وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد يعني ابن الحارث حدثنا قرة حدثنا أبو الزبير حدثنا سعيد بن جبير حدثنا ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال سعيد فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته . حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن أبي الطفيل عامر عن معاذ قال خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً .

حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا خالد يعني ابن الحارث حدثنا قرة بن خالد حدثنا أبو الزبير حدثنا عامر بن واثلة أبو الطفيل حدثنا معاذ بن جبل قال جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء قال فقلت ما حمله على ذلك قال فقال أراد أن لا يحرج أمته .

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية وحدثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال جمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر ( في حديث وكيع ) قال قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال كي لا يحرج أمته ،

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس ما أراد الى ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته . وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال صليت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذلك . حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

وحدثني أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد عن الزبير بن الخريت عن عبدالله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة قفال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبدالله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته .

وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا وكيع حدثنا عمران بن حدير عن عبدالله بن شقيق العقيلي قال قال رجل لابن عباس الصلاة فسكت ثم قال الصلاة فسكت ثم قال الصلاة فسكت ثم قال لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . قلت : حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإن كان صحيحاً فهو ليس صريحاً في مسألتنا ، مع أنه قد نفى في هذا الحديث أنه قد جمع بسبب المطر (11)، وأما قول الألباني فـي الارواء بعد ذكره لحديث ابـن عباس والآثار ص (3/40) : ( وذلك يدل على أن الجمع للمطر كان معهوداً لديهم ، ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم قبل حديث: ( من غير خوف ولا مطر )، فإنه يشعر أن الجمع للمطر كان معروفاً في عهده – صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع، فتأمل ) (12) قلت: فما دام معهوداً ومعروفاً ( أكرر ما قلته سابقاً ) فلماذا لم يثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – ولو في حديث واحد أنه جمع بسبب عذر المطر، ولم يثبت ذلك أيضاً عن صحابي واحد أنه قال: من السنة كنا كذا في عهد الخلفاء الراشدين مع طول المدة، ولم يثبت ذلك إلا عـن ابن عمـر إذا جمع الأمراء ( وقد مر بنا توجيه ذلك ) .

وأما إذا قال قائل : فما هو إذن معنى حديث ابن عباس وما هو توجيهه ؟ قلت : قال النووي في شرح مسلم ج 5 ص 218 هذه الروايات الثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب وقد قال الترمذي في آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع في المدينة من غير خوف ولامطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة وهذا الذي قاله الترمذي في حدث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال منهم من تأوله على جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل لأنه وإن كان فيه أدنى إحتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضاً ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم انكاره صريح في رد هذا التأويل ومنهم من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أونحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطر وذهب جماعة الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي اسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم ، هذا هو كلام النووي في توجيه حديث ابن عباس وليراجع من يشاء كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج 24 ص 73 – 84 ، وقد يقول قائل أنه ما دام الجمع جائزاً في الحضر للعذر والمشقة – كما ذكرت عن النووي وبقية العلماء – فيكون من الحاجة المشقة الحاصلة بسبب المطر كما قال بذلك من قال ، قلت : هذا رأي هؤلاء العلماء في تأويل وتوجيه حديث ابن عباس ، ثم أن مشقة المطر قد ثبت لنا بالحديث الصحيح  الصريح من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن السنة أن يقال : الصلاة في الرحال ، فيرفع الحرج والمشقة عمن وجد ذلك في أن يصلي في رحله ، وتقام الصلوات الخمس في المساجد مع من حضر وأراد الفضيلة ، وهذا أيسر للناس لأن من جمع بين الصلاة فهو قد كلف المشقة في حضوره للصلاة الأولى (المغرب مثلاً ) وقد يجد الحرج في حضوره هذا فكيف يرفع هذا الحرج ، فالأيسر هو فعل السنة الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقال : الصلاة في الرحال.

الخاتمة :-

مما سبق تبين لي أنه لم يثبت دليل صحيح صريح على صحة مذهب من يرى جواز الجمع بين الصلوات بعذر المطر،وبما أن أمر الصلاة شديد ولها مواقيت قد أمرالله أن تؤدى فيها والمحافظة عليها ، لذا فالأسلم أن تقام الصلاة في وقتها وتصلى جماعة في المساجد كما هو مذهب الإمام الأوزاعي والليث بن سعد وعلماء الاحناف ، ويعذر من أراد الأخذ بالرخصة في ترك صلاة الجماعة بعذر المطر ، كما ثبت بالأدلة والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)كما هو معنى سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الأصوليين.

(2)كما نقلوا حديث ابن عباس الذي سيأتي فيما بعد .

(3) هذه حجة استدل بها شيخ الأسلام على نفي فطر الصائم بالطيب والكحل وغيرهما كما قال رحمه الله ص 25-241 : وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول- صلى الله عليه وسلم – بياناً عاماً ، ولابد أن تنقل الأمة ذلك : فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والإغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه – صلى الله عليه وسلم – كما بين الإفطار وغيره ….. وقال ص 25-234 فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه ، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً – علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك.

(4) قد رويت بعض الآثار الضعيفة عن بعض الصحابة مثل عمر وابن عباس فقد قال البيهقي سننه ص 168/3 : قال الشافعي رحمه الله في القديم أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب أن ابن عباس جمع بينهما في المطر قبل الشفق ، قلت وظاهر الأثر عدم الصحة لجهالة من حدث عنهم الشافعي رحمه الله. أثر عمر بن الخطاب . من مصنف عبدالرزاق ص 2-556 :- قال عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد عن صفوان بن سليم قال جمع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مطير . قلت : وظاهر الأثر عدم الصحة لأن صفوان لم يدرك عمر ولم يرو عنه كما في التهذيب.

(5)كما في أثر عن ابن عمر عند أبي شيبة من الصلاة خير من النوم قالها. وقال البخاري رحمه الله: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ابن شهاب عــن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان ابـن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : يا رسول الله ، إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر ،  طريق نافع قال : كان ابن عمر يصلي مع مروان ، وكان مروان إذا كانت ليلة مطيرة . جمع بين المغرب والعشاء ، وكان ابن عمر يصليهما . ص2-235 . (7) و أما حديث ابن عباس سيأتي توجيهه في المسألة الثانية.

(6) كما في حديث ابن عمر:عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه،كما يحب أن تؤتى عزائمه.(رواه الأمام أحمد) .

(7) ومن أعاجيب أفعال من يجمع بين الصلوات بعذر المطر أنهم يجمعون حتى في رمضان ذلك الشهر المبارك الذي ارتبط اسمه ببيوت الله حتى اصبح شعار هذا الشهر المبارك عند العامة هو فانوس رمضان لأنه كان في السابق تسرج السرج والمصابيح في المساجد لاستقبال المصلين في ليالي رمضان فإذا ببعض مصلي هذا الزمان يجمعون بين الصلوات ويغلقون المساجد في هذا الشهر المبارك ، وقد تدارك بعضهم هذا الفعل فبعد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء يواعد المصلين لساعة معينة حتى يقيم صلاة التراويح ، فيجمع بين صلاتي الفرض بحجة الحرج ثم يدعو الناس لصلاة النافلة.

(8) قال ابن حجر في الفتح ص 2-113 عندما تكلم عن مسألة هل يقول المؤذن الصلاة في الرحال مع قوله حي على الصلاة ، قال : ويمكن الجمع بينهما بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة ، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال : خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر ، فمطرنا ، فقال ليصل من شاء منكم في رحله .

(9) على تفصيل ذكره شيخ الإسلام في الفتاوى ص 20/310

(10) قال ابن المنذر في الأوسط ص (2/433) : ولو كان ثم مطر من أجله جمع بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكره ابن عباس عن السبب الذي جمع بينهما ، فلما لم يذكره وأخبر بأنه أراد أن لا يحرج أمته دل على أن جمعه كان في غير حال المطر ، وغير جائز دفع يقين ابن عباس مع حضوره بشك مالك .

(11) وهو كذلك مما استدل به شيخ الإسلام في الفتاوى ج (24) ص (76) .

اعداد : أ . عبدالجليل اسماعيل گەڵاڵى.

پێشنیارکراو

زیكرى خواى گه‌وره‌

سووده‌كانی زیكرى خواى گه‌وره‌

1 ـ به‌ده‌ست هێنانی یادی خوا بۆ ئه‌و كه‌سانه‌ى كه‌ یادى ده‌كه‌ن . 2 ـ …